حمل الحرز أو الحجاب

بسم الله الرحمن الرحيم

حمل الحرز أو الحجاب

حمل الحرز أو الحجاب على الصغير أو الكبير هو حماية لحامله من أنواع الجن والسحر والحسد وبعض الأمراض الأخرى.

وهذا (الحرز أو الحجاب) هو نوع من الحماية الربانية للإنسان وهو نوع من نعم الله الكثيرة التي لا تُحصى كما قال تعالى: " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا " [النحل:18].

وهو كذلك سبب من الأسباب في حفظ الإنسان. ونحن مأمورون بالأخذ بالأسباب كما قال تعالى: " وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا " [الكهف:85،84]. والحرز أو الحجاب هو درع للإنسان كما يحمل المحارب الدروع على جسده للحماية من ضرب السيوف والرماح والسلاح. وقد أكده صلى الله عليه وسلم في فتح مكة حيث لبس درعين على جسمه الطاهر الشريف ليعلمنا صلى الله عليه وسلم أن على المسلم أخذ الحيطة والحذر وهو ما أكده صلى الله عليه وسلم في هجرته الشريفة حيث اختبأ في غار ثور لمدة ثلاثة أيام ليَسكن عنه الطلب ، وكذلك أكده لصاحب الناقة عندما أراد الصلاة في المسجد وقال: يا رسول الله أعقلها [أي الناقة] وأتوكل أو اطلقها وأتوكل؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: (اعقلها وتوكل).

والمزارعون يرشون المبيدات الحشرية على النباتات والزروع فتموت وتهرب عنها الحشرات الضارة. ومثل ذلك ما يضعه الناس في بيوتهم من مادة طاردة للبعوض فيهرب منها البعوض ولا يقترب من المكان والأمثلة كثيرة على ذلك لا تُعد ولا تحصى وفي هذا القدر كفاية لتقريب الموعظة للمسلمين.

والتداوي والأخذ بالأسباب هو من سنن النبوة فمن ذلك ما حدث ليعقوب عليه السلام عندما ابيضت عيناه من الحزن على فراق ابنه يوسف عليه السلام فأرسل إليه يوسف عليه السلام قميصه فحمله ومسح به وجهه فارتد بصيراً.

وكذلك كان يفعل قوم طالوت في حروبهم يحملون التابوت الذي جاءت لهم به الملائكة تحمله وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون فكانوا يستنصرون به على أعدائهم.

وعلى هذا النهج سار الصحابة الكرام فقد جاء في صحيح مسلم: عن عبد الله أبي عمر مولى أسماء بنت أبي بكر قال: رأيت ابن عمر في السوق وقد اشترى ثوبا شاميا فرأى فيه خيطا أحمر فرده فأتيتُ أسماء فذكرت ذلك لها فقالت: يا جارية ناوليني جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجَتْ لي جبة طيالسة كسروانية لها لينة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج فقالت: كانت هذه عند عائشة حتى قُبضت فلما قُبضت أخذتُها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها.

وفي سنن أبي داود: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات (أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون). وكان عبد الله بن عمرو يُعَلّمُهُن مَن عَقل من بنيه ومَن لم يَعقل كَتَبه فأعلقه عليه. وقد ذكره الإمام الترمذي في سننه وَحَسَّنَه بلفظ: (وكان عبد الله بن عمرو يُعلمها مَن بَلَغ من ولده وَمَن لم يَبْلُغ منهم كَتبها في صك ثم علقها في عنقه). والمقصود بعبد الله بن عمرو هنا هو الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهو أحد السابقين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء رضي الله عنه وأرضاه.

فالحماية من الأعداء واجبة وأشد الأعداء على الإنسان الشيطان لقوله تعالى: " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا " [فاطر:6] ، والحرز والحجاب يطرد عن حامله الشياطين كما تطرد المبيدات الحشرية الحشرات الضارة عن الزروع وذلك لما في هذه الحروز والأحجبة من قرآن وفي الحديث الذي صحح إسناده الهيتمي في مجمع الزوائد ورواه الحاكم في مستدركه وصححه البيهقي عنه: (عليكم بالشفاءين العسل والقرآن). وأيضاً لما في هذه الحروز والأحجبة من مواثيق وعهود مأخوذة على الجن والشياطين ففي مجمع الزوائد للهيتمي: عن عبد الله بن زيد قال: عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية من الحمة فأذن لنا فيها وقال: (إنما هي مواثيق)... قال الهيتمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وفي المعجم الأوسط للطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال عن هذه الرقية بعد أن عرضوها عليه: قال (هذه مواثيق أخذها سليمان صلى الله عليه وسلم على الهوام لا أرى بها بأساً). قال راوي الحديث: فلُدغ رجل وهو مع علقمة فرقاه بها فكأنما نشط من عقال.

وقد روى البيهقي في أواخر دلائل النبوة عن أبي دجانة واسمه سماك بن خرشة قال: شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني نمت في فراشي فسمعت صريراً كصرير الرحى ودوياً كدوي النحل ولمعاً كلمع البرق فرفعت رأسي فإذا أنا بظل أسود يعلو ويطول في صحن داري فمسست جلده فإذا هو كجلد القنفذ فرمى في وجهي مثل شرر النار. فقال صلى الله عليه وسلم: (عامر دارك يا أبا دجانة). ثم طلب صلى الله عليه وسلم دواة وقرطاساً وأمر علياً رضي الله تعالى عنه أن يكتب ... ثم ذكر البيهقي نص الكتاب ثم قال ... قال أبو دجانة رضي الله عنه: فأخذت الكتاب وأدرجته وحملته إلى داري وجعلته تحت رأسي فبت ليلتي فما انتبهت إلا من صراخ صارخ يقول: يا أبا دجانة أحرقتنا بهذه الكلمات فبحق صاحبك إلا ما رفعت عنا هذه الكلمات فلا عود لنا في دارك ولا في جوارك ولا في موضع يكون فيه هذا الكتاب قال أبو دجانة: فقلت: والله لا أرفعه حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو دجانة: فلقد طالت علي ليلتي بما سمعت من أنين الجن وصراخهم وبكائهم حتى أصبحت فغدوت فصليت الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما سمعت من الجن ليلتي وما قلت لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا دجانة ارفع عن القوم فوالذي بعثني بالحق نبياً إنهم ليجدون ألم العذاب إلى يوم القيامة). وهذا نص في الحروز المكتوبة ومشروعيتها ومشروعية حملها.

 

 

 

وختامــاً

قال تعالى: " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا " [الإسراء:82].

صدق الله العظيم

 

أبو أحمد العبادلة

يوم الثلاثاء: 6/جمادى ثان/1434هـ - 16/4/2013م

الكاتبأبو أحمد العبادلة بتاريخ : Apr 16 2013 2:02PM

طباعة